"المقاومة" والثقافة المنبثقة عنها ثقافة مألوفة في منطقة الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تعرضت، خلال القرن الأخیر لأكبر قدر من الهجمات العسكرية والسياسية والثقافية من قبل القوى الاستعمارية والمغطرسة.
أکد قائد الثورة الإسلامية ولأول مرة في أغسطس 1993م خلال لقائه مع السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، علی مصطلح "جبهة المقاومة الإسلامية"، واعتبر تشكيلها نتيجة للاعتداءات الإسرائيلية.
محور المقاومة هو في الواقع تحالف إقليمي وقد تطور هذا التحالف بسرعة وقوة بحيث أعاد صياغة المعادلات السائدة في المنطقة وأسفر عن ظهور نظام جديد فيها.
تعد القيم والمعايير الاجتماعية والدينية والثقافية المشتركة من العوامل التي ساهمت في تشكيل هوية مشتركة بين أعضاء محور المقاومة. ورغم البعد الجغرافي وانعدام الحدود المشتركة، توحدهم هوية إقليمية متماسكة.
تتشكل هذه الهوية الإقليمية تحت تأثير التعاليم الإسلامية، خاصة العناصر مثل ثقافة التضحية والشهادة، دعم المظلومين، رفض الظلم، مكافحة الاستكبار، طلب العدالة، السعي للاستقلال، دعم حركات التحرر، رفض هيمنة الكفار، الإيمان بالمهدوية، عقيدة الانتظار والديمقراطية الدينية، التي تبلورت في إطار الثورة الإسلامية الإيرانية، وهي من أهم عناصر خطاب المقاومة.
بناء علی هذا فإن كل دولة أو منظمة أو جماعة أو فرد يدافع عن الحق ويقاوم الظلم وفقاً للتعاليم الإلهية للأديان، ويتماشى مع الثورة الإسلامية الإيرانية في مواجهة اعتداءات وظلم النظام العالمي، خاصة الكيان الصهيوني، يعتبر اليوم جزءًا من محور المقاومة. من بين أبرز أعضاء محور المقاومة في المنطقة یمکن الإشارة إلی الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حزب الله اللبناني، فصائل المقاومة الفلسطينية، أنصار الله في اليمن، القوات الشعبية في العراق وفي سوريا، وفي البحرين.
ورغم أن المقاومة ترتبط حاليًا بشكل رئيسي بالنهج الإسلامي-الشيعي، إلا أن الجرائم المروعة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في إبادة شعب غزة المظلوم من جهة، والمقاومة البطولية والمؤمنة لهذا الشعب ضد الظلم والجرائم من جهة أخرى، جعلت هذا الخطاب عابرًا للطوائف والأديان وحتى المناطق الجغرافية.
الجوانب الإيمانية والدينية لهذه المقاومة البطولية جذبت الانتباه بشكل كبير، وأثارت الحاجة إلى دراسة علمية لهذا الحراك والنضال الإنساني المعاصر في وجه الأنظمة الإمبريالية العالمية.
تتسم الإلهيات المرتبطة بالمقاومة بأبعاد أخلاقية ودينية تساعد في صياغة هوية جماعية للشعوب المسلمة، بل ولأتباع الأديان السماوية بشكل عام. تُبنى هذه اللاهوتيات على أساس التوحيد، وتؤكد على الكرامة الإنسانية، وتعتمد على مفاهيم العدل وإقامة القسط التي تعتبر أهدافًا سامية لبعث الأنبياء.
في إطار اللاهوتيات الحديثة، يمكن الادعاء بأن إلهیات المقاومة أو لاهوت المقاومة، الذي تطور مع انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، أصبح أحد أغنى وأبرز أنواع اللاهوت الاجتماعي والتطبيقي خلال العقود الأربعة الماضية.
تجدر الإشارة إلی أن الباحث في العالم المعاصر الكبرى وهو في ذروة النزعات والتصورات المادية العلمانية والفيزيائية تجاه الإنسان والعالم، والتي امتدت جذورها إلى جميع أبعاد الحياة العلمية والحضارية للبشر، یواجه منذ أواخر القرن العشرين تقريبًا تيارين مؤثرين وواسعي الانتشار: الأول هو النزعة نحو الروحانية، والثاني هو علم اللاهوت الاجتماعي. ومن المؤكد أن هذين التيارين يمثلان استجابة للأزمات النظرية والعملية التي أفرزتها الحداثة والعلم والحضارة الحديثة، وما نتج عنها من أزمات.
في الوقت الحالي، أصبح هذان التياران بمثابة منهجين جديدين في الدراسات الإنسانية والاجتماعية، حيث بدأا بالتدريج في التغلغل إلى جميع مجالات الحياة، وأثّرا على كافة القضايا التي تواجه الإنسان المعاصر.
قليلًا ما نجد قضية اجتماعية في يومنا هذا لا تتناولها دراسات ومناهج لاهوتية ضمن ما يُعرف بـ "اللاهوت الحديث". ومن بين هذه الدراسات: لاهوت الحرب، لاهوت السلام، لاهوت الشر، لاهوت المعاناة، لاهوت البيئة، لاهوت المدينة، لاهوت الفضاء الافتراضي، لاهوت الذكاء الاصطناعي، لاهوت المناهج الدراسية، وغيرها. إضافة إلى التيارات اللاهوتية البارزة مثل اللاهوت الوجودي، اللاهوت التقدمي، اللاهوت المنفتح، لاهوت التحریر، اللاهوت النسوي، وغيرها.
في جميع هذه الفروع والمناهج اللاهوتية، تُبذل الجهود لاستخدام المعتقدات والرؤى والأساليب الإلهية لحل المشكلات والتحديات والقضايا الواقعية والمحسوسة التي تزعج المجتمع. كما تهدف إلى تلبية الاحتياجات الجديدة والمتنوعة للإنسان المعاصر من منظور الإيمان بالله، مع توضيح العلاقة بين الله والإنسان والطبيعة والعالم، وتقديم الطرق للتعامل الديني والتوحيدي مع هذه القضايا.
عدد الزيارات: 13 مرة
تسجيل الدخول إلى النظام
اسم المستخدم أو البريد الالكتروني
كلمة المرور
كود الأمان